سورة الذاريات - تفسير تفسير الثعالبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الذاريات)


        


{فعتوا عن أمر ربهم} أي تكبروا عن طاعة ربهم {فأخذتهم الصاعقة} أي بعد مضي ثلاثة أيام من بعد عقر الناقة وهي الموت في قول ابن عباس. وقيل: أخذهم العذاب والصاعقة كل عذاب مهلك {وهم ينظرون} أي يرون ذلك العذاب عياناً {فما استطاعوا من قيام} أي فما قاموا بعد نزول العذاب بهم ولا قدروا على نهوض من تلك الصرعة {وما كانوا منتصرين} أي ممتنعين منا وقيل: ما كانت عندهم قوة يمتنعون بها من أمر الله {وقوم نوح} قرئ بكسر الميم ومعناه وفي يوم نوح وقرئ بنصبها ومعناه: وأغرقنا قوم نوح {من قبل} أي من قبل هؤلاء وهم عاد وثمود وقوم فرعون {إنهم كانوا قوماً فاسقين} أي خارجين عن الطاعة.
قوله تعالى: {والسماء بنيناها بأيد} أي بقوة وقدرة {وإنا لموسعون} قيل: هو من السعة: أي أوسعنا السماء بحيث صارت الأرض وما يحيط بها من السماء والفضاء وبالنسبة إلى سعة السماء كالحلقة الملقاة في الفلاة وقال ابن عباس: معناه قادرون على بنائها كذلك وعنه لموسعون أي الرزق على خلقنا وقيل: معناه وإنا ذوو السعة والغنى {والأرض فرشناها} أي بسطناها ومهدناها لكم {فنعم الماهدون} أي نحن {ومن كل شيء خلقنا زوجين} أي صنفين ونوعين مختلفين كالسماء والأرض والشمس والقمر والليل والنهار والبر والبحر والسهل والجبل والصيف والشتاء والجن والإنس والذكر والأنثى والنور والظلمة والإيمان والكفر والسعادة والشقاوة والحق والباطل والحلو والمر والحامض {لعلكم تذكرون} أي فتعلمون أن خالق الأزواج فرد لا نظير له ولا شريك معه {ففروا إلى الله} أي: قل يا محمد ففروا إلى الله أي فاهربوا من عذابه إلى ثوابه بالإيمان والطاعة وقال ابن عباس ففروا منه إليه واعملوا بطاعته وقال سهل بن عبد الله ففروا مما سوى الله إلى الله {إني لكم منه نذير} أي مخوف {مبين} أي بين الرسالة بالحجة الظاهرة والمعجزة الباهرة والبرهان القاطع {ولا تجعلوا مع الله إلهاً آخر} أي وحدوه ولا تشركوا به شيئاً {إني لكم منه نذير مبين} قيل: إنما كرر قوله إني لكم منه نذير مبين عند الأمر بالطاعة والنهي عن الشرك ليعلم أن الإيمان لا ينفع إلا مع العمل كما أن العمل لا ينفع إلا مع الإيمان وأنه لا يفوز عند الله إلا الجامع بينهما.


{كذلك} أي كما كذبك قومك وقالوا ساحر أو مجنون كذلك {ما أتى الذين من قبلهم} أي من قبل كفار مكة والأمم الخالية {من رسول} يعني يدعوهم إلى الإيمان والطاعة {إلا قالوا ساحر أو مجنون} قال الله تعالى: {أتواصوا به} أي أوصى أولهم آخرهم وبعضهم بعضاً بالتكذيب وتواطؤوا عليه وفيه توبيخ لهم {بل هم قوم طاغون} أي لم يتواصلوا بهذا القول لأنهم لم يتلاقوا على زمان واحد بل جمعتهم على ذلك علة واحدة وهي الطغيان وهو الحامل لهم على ذلك القول {فتولَّ عنهم} أي أعرض عنهم {فما أنت بملوم} أي لا لوم عليك فقد أديت الرسالة وبذلت المجهود وما قصرت فيما أمرت به.
قال المفسرون: لما نزلت هذه الآية حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد على أصحابه وظنوا أن الوحي قد انقطع وأن العذاب قد حضر إذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتولى عنهم فأنزل الله عز وجل: {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين} فطابت نفوسهم بذلك والمعنى عظ بالقرآن كفار مكة فإن الذكرى تنفع من علم الله أنه يؤمن منهم وقيل: معناه عظ بالقرآن من آمن من قومك فإن الذكرى تنفعهم.
قوله عز وجل: {وما خلقت الجن والإنس} أي من المؤمنين {إلا ليعبد ون} قيل هذا خاص بأهل طاعته من الفريقين يدل عليه قراءة ابن عباس «وما خلقت الجن والإنس من المؤمنين إلا ليعبد ون» وقيل: معناه وما خلقت السعداء من الجن والإنس إلا لعبادتي والأشقياء منهم إلا لمعصيتي وهو ما جبلوا عليه من الشقاوة والسعادة. وقال علي بن أبي طالب إلا ليعبد ون أي إلا لآمرهم أن يعبد وني وأدعوهم إلى عبادتي. وقيل: معناه إلا ليعرفوني وهذا حسن لأنه لو لم يخلقهم لم يعرف وجوده وتوحيده. وقيل: معناه إلا ليخضعوا لي ويتذللوا لأن معنى العبادة في اللغة التذلل والانقياد وكل مخلوق من الجن والإنس خاضع لقضاء الله متذلل للمشيئة لا يملك أحد لنفسه خروجاً عما خلق له. وقيل: معناه إلا ليوحدوني فأما المؤمن فيوحده اختياراً في الشدة والرخاء وأما الكافر فيوحده اضطراراً في الشدة والبلاء دون النعمة والرخاء {ما أريد منهم من رزق} أي ما أريد أن يرزقوا أحداً من خلقي ولا أن يرزقوا أنفسهم لأني أنا الرزاق المتكفل لعبادي بالرزق القائم لكل نفس بما يقيمها من قوتها {وما أريد أن يطعمون} أي أن يطعموا أحداً من خلقي وإنما أسند الإطعام إلى نفسه لأن الخلق كلهم عيال الله ومن أطعم عيال أحد فقد أطعمه لما صح من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله عز وجل يقول يوم القيامة يا ابن آدم مرضت فلم تعدني قال يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال أما علمت أن عبد ي فلاناً مرض فلم تعده أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين قال أما علمت أنه استطعمك عبد ي فلان فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين قال استسقاك عبد ي فلان فلم تسقه أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي».


{إن الله هو الرزاق} أي لجميع خلقه {ذو القوة المتين} يعني هو القوي الشديد المقتدر البليغ القوة والقدرة الذي لا يلحقه في أفعاله مشقة {فإن للذين ظلموا} أي من أهل مكة {ذنوباً} أي نصيباً من العذاب {مثل ذنوب أصحابهم} أي مثل نصيب أصحابهم الذين هلكوا من قوم نوح وعاد وثمود {فلا يستعجلون} أي بالعذاب لأنهم أخروا إلى يوم القيامة يدل عليه قوله عز وجل: {فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون} يعني يوم القيامة وقيل: يوم بدر والله تعالى أعلم بمراده.

1 | 2 | 3